سواجن
ولدت فى تلك البقعه ذات الطبيعه الخاصه من ارض مسطحة تتوسط بحر هادئ جدا حد السكون ..
سواكن مدينة عريقه فى شرق السودان تضم منطقه اثرية وتاريخيه ,بنيت المدينة القديمه منها فوق جزيرة مرجانيه , تحولت منازلها الى اثار واطلال.
لم تمكث فيها طويلا بعد ولادتها , فقد انتقلت اسرتها الى العاصمة لظروف عمل والدها , واستقر بهم المقام وكبرت عائشه او كما يناديها والدها (عــــــــاشة) , كما يحلو له فهى ابنته المدللـــة, وقد اسماها على جدته من امه فقد كانت شخصية ذات تاثير كبير عليه , فهى التى ربته بعد وفاة والدته وهو فى سن مبكرة ..
كان يناديها وقت العصر لكى تساعده فى (رش) الحوش وتبادل الحديث والسمر , يحكى لها عن طفولته ومدينته سواكن قائلا:-
- كنا نستيقظ عند الفجر نتوضاء ونتوجه الى المسجد لتأدية صلاة الفجر , ومن ثم الى الخلوة ,بعد صلاة الفجر مباشرة الى طلوع الشمس , ثم نرجع الى بيوتنا لتناول وجبة الافطار ..و فور الانتهاء من شرب اللبن نجــــرى قاصدين الشارع , فتنادينى جدتك بلغتنا الحبيبة :
(( وأورى هقت امانيت تمات قيقا يأري قد كلا هوايا , ملا بدلى كلا ))*
ولكننى في ذلك الوقت اكون قد ابتعدت كثيرا وقصدت( الفسحه) التى تتوسط حينا ونبدا لعب
الفراكانيــــــــت ..*
الى ان يقتر ب وقت صلاة الظهر اعود الى البيت واجهز للذهاب الى المسجد لصلاة الظهر ومن بعدها العودة الى الخلوة من بعد الصلاة ثم يستطرد
- عارفه كانو بكافؤنا كيف على حفظ السور يا عاشة ؟ فى حالة حفظ الطالب لحد معين من الصورة يحدده الشيخ فى الخلوة يتم تقديم وجبة للاطفال بهذه المناسبه , مثلا حفظت صورة لقمان يقدموا لينا عصيدة بسمن وسكر .
كانت تستمتع لحكاوى ابيها وتسرح بخيالها لتلك البقعه الجميله والتى كونت صورة لها فى مخيلتها ..فتقول بصوت حالم :-
- ابوى ما حنمشى سواكن قريب ؟ عايزة امشى ازورها معاك.
يقول :-
- باذن الله , اول ما تأجزى من المدرسة ليك على نمشى سوا ..
مرت الايام , عند اقتراب الاجازة , جاء خبر ابتعاث والد عاشه للخارج ,( لن نستطيع الذهاب الى سواكن )قالت عاشه..على امل القيام بالرحله فى المستقبل القريب ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اصبحت الاسرة منشغله بسفر الوالد الى الخارج والتجهيز له من اجراءات يقوم بها هو , وتجهيز احتياجات البيت بكل ما يحتاجونه كأسرة لاطول فتره ممكنه فى غياب الاب ..
جلست (عاشه )مع صويحباتها فى غرفة الضيافه تتبادل معهن الحديث , جاءها صوت والدها :
- عاشه تعالى عايزك دقيقه
استاذنت وذهبت لابيها الذى اسعدها بقوله:-
- حنسافر سواكن غدا صباحا.
فرحت عاشه وذهبت مسرعه لتنقل الخبر الى صديقاتها اللاتى غمرتهن الفرحه ايضا ..
فى صباح الغد نقل البص السفرى عاشه ووالدها الى مدينة كانت جل امنيتها زيارتها ..
استقبل اطفال الحى عربة الاجرة الناقله لعاشة منذ بداية الحى , كانت تنظر من خلال النافذة على البيوت والتى كانت مبنية من البلك او الخشب
(السنادك) وبعضها سورها من الصفيح والزنك ..
كانت تعلو وجهها نظرة دهشة لبساطة المكان الذى يدخل راحه على النفس .بعد استقبال اسرة عمها لهم وتبادل الحديث , اختلست النظر الى باب البيت المطل على الشارع فرأت ابناء عمها واقرانهم يلعبون , فذهبت نحوهم بشئ من الفضول لمعرفة ماذا يلعبون ,طلبت منها ابنة عمها مشاركتهم اللعب ,سالتها عن اسماء العابهم ,فأخبرتها بأن البنات يلعبون (الكنبيت , الانجوت) , والاولاد يلعبون (الفركانيت ).
بعد عشاء ذلك اليوم تجمعت الاسره , تم تجهيز وليمة بمناسبة زيارتهم عبارة عن ارز ولحم ضان محمر وبجانب الطبق (كورة روب) , جلس الجميع وتناولوا الوجبة الشهيه وهم يتبادلون اطراف الحديث .
كان هنالك حاجز واحد بينهم هو اللغـــة , فهم يتحدثون بلغتهم الام , وهى المدينة تركت اثرا كبيرا على لسانها و ابعدتها عن لغتها الام ..
احست بغربه رغم قربها من المكان والاشخاص , حاولت جاهده فهم حديثهم ومن ثم تحولت الى مجرد مستمعة .
بعد وجبة العشاء ذهب والدها وعمها مع مجموعه من رجال الحى والشباب الكبار خارج الحى فقد كانت عاده لهم فى الليالى المقمره يذهبون الى منطقه خلوية قريبه من الحى يتسامرون فيها .. والبنات والاطفال يجلسون فى الشارع على الرمال البارده والنظيفه , ينقسمون الى مجموعات حسب اعمارهم
صغار السن يلعبون والاكبر قليلا يتسامرون ..بدأت ابنة عمتها تحدثها عن خروج الصيادين الى الصيد فى الليل وعن الاحاجى والخرافات عن ما يرونه فى البحر من حوريات و جنيات , كانت تستمع لها عاشه بفضول بل وتطلب المزيد من القصص ..
انتهى اليوم الاول والسعاده تغمر عاشة و هى فى شوق لما سوف تراه او تسمع به فى اليوم التالي , وعند الفجر ايقظها والدها , ادت صلاة الفجر ومن بعد ذلك ذهبت مع زوجة عمها وابنتها ومجموعه من نساء وبنات الحى الى البحر للسباحة , فقد كان لهم مكان خاص بهن ..
بعد عودتها من البحر تجهزت للخروج مع والدها لزياره المدينة القديمه .. استمتعت بهذه الزياره رغم قصرها , المبانى المتهالكة , التاريخ , الحضارة رغم القدم والزمن ..
كانت تلك ليلتهم الاخيره ففى صباح الغد سيرجعون الى العاصمة , حزنت بسبب قصر الزياره , فقد كانت تريد ان تبقى اطول فتره ممكنه لها فى سواكن .. نادت لها زوجة عمها للجلوس مع ابناء عمها لتناول وجبة العشاء والتى كانت تتكون من* اوتم ولبن .. كانو يجلسون فى حلقه على الارض وهم يقولون والابتسامه تعلو وجوههم * اوتم نوبـــا .. اوتم نوبــا ..
ويضحكون .. قضو ليلتهم مع السمر الجميل . ورجعت عاشة ووالدها وهى تحمل ذكرى جميله من مدينتها ..
سافر الاب الى ارض المهجر ..
طالت المده وراحت عاشه تتنقل من مرحله دراسية الى اخرى , هى واخوانها , معهم والدتهم , ووالدهم ايضا نال من رحلة الابتعاث الكثير ,كان يتابع معهم من على البعد .. ذهبوا لزيارته مرة واحده خلال عشر سنين ..
تخرجت عاشة من الجامعه بمرتبة الشرف وبدات فى التفكير فى التقديم للدراسات العليا , طلب منها والدها ان تلتحق به وتحضر فى الخارج لتوفر الفرص فى مجالها ..
ذهبت وهى تمنى نفسها بلقاء ابيها ومحاولة استرجاع القليل من الايام الخوالى والحديث الجميل معه ..
كانو كلما اتيحت لهم الفرصه يجلسون سوية فى باحة المنزل ويتسامرون عن السودان وعلى وجه الخصوص مدينتهم سواكن , وهم يستمعون لاغنية :
صب دمعى انا ** انا قلبى ساكن
حار فراقــــــك** نار يا سواكــن
السكونك وسط البحور** يا سواكـن
كنت جنة ومليانة حور ** يا سواكـن
الليك ماضى مدى الدهور** بيه شعبك دائما فخور يا سواكن
ـــــــــــــــــــــ
مرت الايام والسنون وتزوجت عاشة فى بلاد المهجر واصبح لديها اسرة صغيرة وعمل ..
ــــــــــــــــــــ
اليوم حطت طائرة الخطوط الجويه ــــــــ فى مطار الخرطوم , وصلت عاشة فى زياره مفاجئة ومفرحه لاهلها واقاربها بعد مدة غياب طالت عن وطنها واهلها .. وبعد ان قضت اسبوعها الاول في زيارات للاهل والاقارب في العاصمة . طلبت من ابيها الذهاب معها الى سواكن ..
هنالك عند الصخره , عند ذلك المبنى العتيــق من مبانى مدينة سواكن القديمة , جلست عاشة وابيها ويتوسطهم ابنها ذو العشر سنوات , يتسامرون ويلتقطون الصور , وتدندن هى وابيها (طال فراااقك الليله يا سواكــــن ) , و الابتسامه تعلو وجوههم ..
كانت مقتنعه تمام القناعه بان اصل اسم سواكن هو (سواجـــن) رغم الفرضيات الكثيره لاصل الاسم , لانها مهما بعدت عنها , تعود اليها بسبب قلبها الذى كان سجينا فى تلك الجزيـــــــــرة ...
النهايــــــــــــة ..
*( وأورى هقت امانيت تمات قيقا يأري قد كلا هوايا , ملا بدلى كلا)
المعنى: يا ولد اصبر اكل حاجه قبل تمشى على اللعب مع اصحابك..
*الفركانيت :لعبت اولاد بجنه الدوم
*السنادك (سندكة) غرفة مبنية من الخشب
* الكنبيت : لعبة بنات بجنه الدوم
*الانجوت : لعبة بنات بالصدف
* اوتم : العصيدة
* اوتم نوبـــا : شراب العصيدة
تعليقات
إرسال تعليق