رسم قديم

رسم قديم رواية للكاتبه نفيسة زين العابدين 
من إصدار دار أوراق للنشر والتوزيع بجمهورية مصر العربيه 
متوفر فى مكتبات القاهره التاليه :
عمر بوك ستورز-شارع طلعت حرب
أقلام-شارع كريم الدولة
روزاليوسف-شارع القصر العينى
مكتبة ليلي-شارع جواد حسنى 
مكتبات الشروق
مكتبات ديوان 
سوف يكون متوفر فى السودان خلال فعاليات معرض الكتاب 
لأى مكان فى العالم من خلال موقع نيل وفرات للتسوق الالكترونى 

مع تمنياتنا لكى بالتوفيق نفيسة زين العابدين 

اليكم نص من الرواية :




و انتبهت على صوت طفل صغير يشدنى من يدى :

- هى يالسمحة ماك دايرة تشتري تسالى ..فول ..نبق 

..لبان..مناديل ؟

ورفع بيديه النحيفتين (طبليتة) الصغيرة التى يرص عليها بضاعته 

بنظام وعينيه نصف مغلقتين من اشعة الشمس وهو ينظرالي .

جلست القرفصاء على الارض ، فجلس ايضا ووضع ( الطبلية) امامى 

ومد يده الصغيرة يتناول من كل اصناف بضاعته واحدة ويضعهم في 

يدي المفتوحتين ، وبسرعة يخبرنى عن الحساب :

- كلو بخمسة التسالي بخمسة والفول بخمسة والمناديل بخمسه 

واللبان بخمسة .ثم يتابع بحماس :

- الحساب يا السمحة عشرين جنيه .

ضحكت وانا اناوله العشرين جنيه وامسح بيمناى على رأسه ، 

تناول طبليته الخشبية ونهض شاكرا .

ثم قبل ان انهض من جلستى التف حولى زملاءه الباعة الصغار 

والكبار يعرضون بضاعتهم فلم استطع صدهم ، ورآنى احد الزملاء 

فاقبل ينتهرهم الا اننى لم اشأ ان اكسر قلوبهم الصغيرة فمن يدرى 

لما يتجول هؤلاء الصغار في محطات وقهاوى ليخرجون بحصيلة 

عشرين جنيه وربما اقل ولربما اكثر ، بدلا عن الذهاب الى المدرسة 

.. لاشك هى الحوجة ..ترى كم منهم يعيل اسرته ، وكم منهم يحل 

محل والده المتوفي ، وكم منهم يكبر ويشيخ قبل يومه، وكم منهم 

لايدرى كم سنوات عمره في الحقيقة . ابتلعت غصتى و ابتعت 

منهم مثلما ابتعت من زميلهم الاول .

وانطلقت صافرة البص ليصعد الجميع .

جلست وانا لا ادرى اين اضع كل اكياس التسالي والفول وعلب 

المناديل الورقيه تلك ، فاعارنى كمسارى البص كيسا بلاستيكيا 

وضعت مشترواتى به . لامتنى سميرة وهى تساعدنى في ادخال 

الكيس المحشو في حقيبة يدى ، ثم ابدت اسفها على تهميش 

مواطنى هذه القري .. اذ لا رعاية صحية ولا مدارس ، فسمعها 

زميل يجلس في الجهة الموازية لها ، فتفضل بتوضيحه ان هذه 

القري تعتمد على العون الذاتى في انشاء المدارس اكثر من 

اعتمادها على الحكومة .

ومن بعيد بدت القري تقترب ..ثم تبتعد ..ثم تتوارى فتصبح سرابا . 

بيوت بسيطة ملونة بالوان زاهية ، قبل عشرة سنوات لم تكن هذه 

الالوان المنعشة موجودة بل كانت البيوت بلون الطين او بلون الجير 

الابيض . هناك بيت جميل لونه اخضر ، فناءه واسع ، في المنتصف 


حبل الغسيل وعليه ملابس الاسرة ، يعانقها النسيم وتلاطفها 

اشعة الشمس ، وهناك بيت بلون زهرى ..ما اجمله . وللحضارة 

والتجديد نصيب ايضا ، فهناك بيت من الاسمنت ببوابة حديدية مطلية 

بلون اسود عليها نقوش من الحديد نفسه تأخذ العين ، والاهالى 

بعضهم يمتطون ظهور الحمير وبعضهم يملكون سيارات من النوع 

الذى نطلق عليه (بوكس ) . وكلما تقدم البص كلما كانت ملامح 

الحضارة اقوى . تنهدت وانا اذكر الصحراء التى كان البص يقطعها في 

يوم ونصف هى المسافة سابقا بين الخرطوم ودنقلا ، ثم رأيت بيتا 

صغيرا الى جواره تقف فتاة شابة تتدثر بثوب بلون زاهي وتوارى 

وجهها خلف يديها خجلا ، والي جانبها تقف ماعز صغيرة ، اخذت 

هاتفي لالتقط لها صورة الا ان سرعة البص كانت اسرع منى  

فسرعان ما توارت وابتعدت . ووجدتنى افكر في عمر لا استطيع الا 

ان افكر فيه ، تبا لذلك الشعور الجارف بالانتماء الذى احسه نحوه ، 

عمر مثل استايل الحياة في هذه القري ، بسيط وساحر . واغمضت 

عينى وانا اتخيل بيتنا انا وهو هنا ، في احدى هذه القري ، بيت 

بلون زهرى ، له فناء واسع ، وحبل طويل بعرض (الحوش ) انشر 

عليه ملابسنا ، عراقي وسروال وجلابية ، وتوب هزاز ، وملابس 

طفل وطفلة ، وشعرت بدموع تحرق عيني.

نفيسة زين العابدين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فن الحرق على الخشب

دلالة الألوان في الحياة البجاوية

الجرتق